بعد نجاح الدورة الأولى من السامبوزيوم الدولي للفن المعاصر لحوض البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط بشاطئ "البريش" بمدينة أصيلة الشاطئية، عادت هذه التظاهرة الفنية في دورتها الثانية، المنظمة من طرف "الجمعية المغربية للفن والثقافة" من 25 مايو (أيار) إلى 6 يونيو (حزيران) 2014 بدار الفن المعاصر بأصيلة، إلى الانفتاح على فناني مغاربة العالم، والفنانين التشكيليين العرب والأجانب والمغاربة، القادمين من إسبانيا، وفرنسا، وأستراليا، وبلجيكا، والسويد، وغيرها من البلدان، من أجل تقاسم لحظات فنية في الاشتغال على اللوحة، وتطارح هموم الفن التشكيلي اليوم، وتحديداً اللوحة التي عرفت غزواً كبيراً من طرف التعبيرات الفنية الجديدة.

على بعد ستة كيلومترات من مدينة أصيلة، وتحديداً في شاطئ "البريش" المطل على المحيط الأطلسي، تقع دار الفن المعاصر(MAC.A)التي افتتحت قبل سنتين في إطار الدورة 34 من موسم أصيلة الثقافي الدولي، بمبادرة من "الجمعية المغربية للفن والثقافة" التي تضم فنانين تشكيليين وكتاب وشعراء، وهي إقامة فنية رائعة تتميز بهندستها المعمارية العصرية الصافية، توفر فضاءً رحباً للفنانين المحترفين، من أجل الاشتغال والإقامة في نفس الفضاء، ولا تسعى إلى الربح، بل إلى نشر القيم الإنسانية: الحب، التسامح، التعايش، عبر الفن، وفتح آفاق للتبادل بين الفنانين المغاربة والعرب والأجانب.

وبعد تدشينها، حظيت هذه التظاهرة الفنية التي تشرف عليها الفنانة التشكيلية المغربية أحلام لمسفر، رئيسة "الجمعية المغربية للفن والثقافة"برعاية ملكية سامية، فعرفت الدورة الأولى منها، المنظمة السنة الماضية، بالموازاة مع موسم أصيلة الثقافي، مشاركة فنانين من سوريا، والعراق، والأردن، والنمسا، وتونس، ومصر، وإيطاليا، وسلطنة عمان، وإسبانيا، والمغرب، عكفوا طيلة إقامتهم الفنية على الاشتغال في لوحاتهم على تيمة الحب المستلهمة من كتاب "طوق الحمامة" لابن حزم الأندلسي الذي يمزج التأمل بالأشعار والذكريات، ويعالج مسألة الحب من بدايات الشغف إلى الإعراض والتخلي أو الفراق. وخلال الدورة الثانية من السامبوزيوم الدولي للفن المعاصر، عرضت هذه الأعمال الفنية التي اشتغل عليها مجموعة من التشكيليين العرب والأجانب في السنة الماضية، حيث تجلت تيمة الحب في كل اللوحات بأشكال مختلفة، وحسب رؤية الفنان نفسه، وقراءته لـ "طوق الحمامة" لابن حزم الأندلسي، وما يمثله بالنسبة إليه الحب الروحاني الذي يعبر عن سخاء الروح، والذي شرعوا فيه بعد مشاهدتهم لشريط المخرج التونسي ناصر لخمير "طوق الحمامة المفقود".

وسيستمر عرض هذه الأعمال بدار الفنون المعاصرة بـ "البريش" إلى غاية 20 سبتمير (أيلول) 2014، ويتعلق الأمر بأعمال كل من محمد الجالوس (الأردن)، ومحمد أبو النجا (مصر)، وسامي بن عامر (تونس)، وعمر بوركبة (المغرب)، وتوفيق شيشاني (المغرب)، وأحمد جاريد (المغرب)، وكريستين كيرتز (النمسا)، وأحلام لمسفر (المغرب)، ونديرة محمود (سلطنة عمان)، وأنزو مارينو (إيطاليا)، ودييغو مويا (إسبانيا)، وعبد الكريم الوزاني (المغرب)، وعلي رشيد (العراق/ هولندا).

في السنة الماضية، تم افتتاح الإقامة الفنية بمعرض خاص بالأعمال الفنية المغربية بحضور مجموعة من الفنانين والمثقفين والكتاب المغاربة والأجانب، وضم لوحات لنخبة من الفنانين المغاربة، على رأسهم الفنان أحمد بن يسف الذي حضر بنفسه افتتاح هذا المعرض، والذي تصدرت مدخله لوحة خصصها للعاهل المغربي الملك محمد السادس، وهي أول صورة يرسمها هذا الفنان للملك، إلى جانب لوحات لكريم بناني، ومحمد المليحي، وأحمد جاريد، ومليكة أكزناي، وعبد الرحمان رحول، وعمر بوركبة، ومحمد شبعة، وغيرها من الأعمال التي تقدم صورة عن الاتجاهات الفنية السائدة في المغرب، وتكشف عن تقنيات مختلفة في الفن التشكيلي المغربي.

خصصت الدورة الثانية من السامبوزيوم الدولي للفن المعاصر موضوعها الفني لفناني مغاربة العالم، بمناسبة الذكرى العاشرة لليوم الوطني للمغاربة المقيمين بالخارج، والتي دعا إليها العاهل المغربي الملك محمد السادس. وتهدف هذه الالتفاتة، كما أشارت الفنانة التشكيلية أحلام لمسفر في تصريح لـ "ذوات"، إلى تعميق الترابط الثقافي والفني بين الفنانين التشكيليين المغاربة بالداخل والخارج، وخلق فضاء للتعارف والتواصل بين هؤلاء الفنانين، ولم لا الاشتغال على لوحات مشتركة.

وأضافت لمسفر أن"الجمعية المغربية للفن والثقافة" التي ترأسها، من "واجبها تقوية العرض الثقافي والفني المتعدد والمتسامح، وترويج رسالة التنوع واحترام الآخر"، مشيرة إلى أن الهدف من تخصيص الدورة الثانية للسامبوزيوم لفناني مغاربة العالم، هو تعزيز الفن، والتموقع كجبهة وطنية داعمة للثقافة والتراث بالمغرب، و"توطيد الأواصر الثقافية والروحية بين فناني مغاربة العالم والوطن الأم الذي منه ينهلون إبداعهم، وتبعاً للمهام التي أخذتها جمعية الثقافة والفن على عاتقها من أجل خلق مناخٍ فني وتواصلي يرسخ لثقافة التعدد والتسامح".

وأشارت لمسفر إلى أن السامبوزيزم الدولي للفن المعاصر لحوض المتوسط والشرق الأوسط، يسعى ليكون "ملتقى لفنانين ومثقفين من حوض البحر الأبيض المتوسط، والشرق الأوسط من أجل الإبداع وتبادل المعارف، والعمل على حماية القيم الإنسانية الرفيعة، كالحب، والتسامح، والحق في الاختلاف، وقبول الآخر، خاصة في ظل الأوضاع والأزمات والحروب التي تشهدها مجتمعاتنا في السنوات الأخيرة"، موضحة أن اختيار الفنانين المشاركين في السامبوزيوم تبث فيه لجنة مكونة من بعض أعضاء الجمعية، والذين يعتمدون بالأساس في اختيارهم للفنانين على معيار القيمة الفنية لأعمال الفنان، وتجربته، واسمه

وعن مفهوم الإقامة الفنية الذي بدأ يتبلور في السنوات الأخيرة، بظهور إقامة في الصويرة لمؤسسة "ماروك بريميوم"، وأخرى في مراكش، والآن بأصيلة مع "دار الفن المعاصر"، أكدت لمسفر أنها أصبحت حاجة ضرورية، وأن الهدف من ورائها هو النهوض بالفن المغربي، وتجميع الفنانين وخلق فضاء لهم من أجل العمل الجماعي، وإخراج الفنان من عزلته في ورشته الخاصة، وإشراكه للآخرين في عملية صنع لوحته، مشيرة إلى أن هناك من الفنانين من لا يقبل هذه الفكرة، ويشترط أن يكون له مكان خاص به ومغلق، ولكنه حينما يأتي للإقامة يمتثل لمواضعاتها، ويندمج بسرعة مع الآخرين، ويجد متعة كبيرة في العمل أمام الجميع.

وكشفت لمسفر أن هذه الإقامة الفنية لا تقتصر على التشكيل لوحده، بل تنفتح على الفنون الأخرى من شعر، وموسيقى، ولقاءات ثقافية، كما أنها تهتم بالأطفال والتلاميذ، وتخصص لهم ورشات يؤطرها فنانون مغاربة أو أجانب، لتحسيسهم بأهمية الفن، وتشجيعهم على الإقبال عليه، خاصة أن المغرب لايتوفر لحد الساعة على متحف، في حين أن البلدان المتقدمة تعج بالمتاحف ولا يمكن لزائرها أن يشاهدها بالكامل. ولهذا السبب تقول لمسفر، إنه لا يوجد اهتمام بالفن التشكيلي في المغرب، فباستثناء بعض المبادرات الخاصة، ذات الهاجس التجاري فلا وجود لمبادرات ذات أهداف ثقافية محضة.

عرفت الدورة الثانية من السامبوزيوم الدولي للفن المعاصر لحوض البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط بشاطئ "البريش" بمدينة أصيلة الشاطئية، مشاركة مجموعةمن الفنانين المغاربة المقيمين بالخارج،والذين قدموامن مختلف الأقطار، وهم: سعيد المساري، وخالد البكاي، ومونية التويس، وسعد بنشفاج (إسبانيا)، وأمينة رزقي (هولندا)، وفاطمة كلين (أستراليا)، وإبراهيم بشيري، ومصطفى شباك (بلجيكا)، وحسن بدر الدين (إيطاليا)، وأندريه الباز (فرنسا)، ووفاء القرياستي (ألمانيا)، و العراقي فاروق يوسف (مقيم بالسويد)، إضافة إلى الفنانين المقيمين بالمغرب: أحمد جاريد، وبنيونس عميروش، وسعيد حسبان، وعبد السلام حضيري، وعبد الكريم الوزاني.

يونيو (حزيران) 2014
الرباط - سعيدة شريف